يحاول البعض أن يقصي الأساتذة من دورهم في وضع برامج التعليم و مناهجها و الحال أن تعديل السياسة التربوية مطلب من المطالب النقابية التي أضرب الأساتذة من اجلها مرات و أخرها يوم 27 أكتوبر المنصرم و إذا كان السيد وزير التربية يتكلم لوحده في المنابر الإعلامية حول تصورات الوزارة للإصلاح التربوي فنحن نرى أن إصلاح التعليم مسالة وطنية تهم الشعب برمته و ليست نقابات التعليم إلا مكونا مركزيا من الحوار حول التعليم و الملاحظ أن السيد وزير التربية ظن باطلا أن إصلاح التعليم يتوقف عند بعض العناصر الشكلية و الحال إن المسالة جوهرية و تتمثل في الآتي :
1) غياب البوصلة الأساسية في أي عملية تكوين معرفي أو تربوي وهو الهوية فمازالت الأهداف الرسمية من البرامج تخلط بين الهوية القطرية و تسميها الوطنية و بين الهوية القومية و الحضارية و هي الهوية العربية و الإسلامية و هذا الخلط ينعكس ضرورة على مضامين البرامج في تحديد الانتماء الحضاري و التاريخي في كل البرامج و المواد التعليمية و خاصة الآداب و اللغات و التاريخ و الجغرافيا و الفلسفة و التفكير الإسلامي بل إن الأهداف الرسمية تعوم معنى الهوية فتارة إفريقي و تارة متوسطي و خاصة أن كل ما هو متوسطي هو ضرورة تطبيع مع الكيان الصهيوني و هذا الخلط أو التعويم أنتج تلميذا يسخر من العلم المفدى و لا يحفظ النشيد الوطني فلا ينتمي لتونس بل تلميذا مهجنا في لغته و لا علاقة له بلغته الأم و لا هندام له و لا سلوك و كل هذا ليس إلا نتيجة حتمية لغياب الهوية و للانبتات الحضاري الذي تخلفه برامج التعليم.
2 ) غياب التوجه الحقيقي نحو التجذر في الهوية العربية باعتبار اللغة العربية هي اللغة الأم فالتوجه الرسمي يرى أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية و ليست الأم فهذا التعريف يستأصل اللغة من مقومات الانتماء إلى الأمة العربية و يفرغها من عمقها الحضاري و التاريخي و خاصة العقائدي باعتبارها لغة القران و الإسلام هو الذي وحد الأمة و شكلها و ليس القران إلا العمق الأساسي للانتماء للأمة و حينما ننكر عن اللغة العربية كونها اللغة الأم و نحصرها في البعد الرسمي نراها تعيش التهميش في المنظومة التربوية التي لا تسعى إلى تجذير التلميذ في هويته عبر تدريس العلوم باللغة العربية و كأنها ليست لغة علوم أو قاصرة عن التفكير العلمي و الحال أن لا نهضة علمية و معرفية دون تدريس العلوم و الطب و الصيدلة و التقنية باللغة العربية و لذلك لا نجد اعتزازا لدى التلاميذ بانتمائه لأمته العربية و لحضارة بنت مجدها و صنعت عظمتها باللغة العربية و الأدهى و الأخطر أن الوزارة تعتزم التبكير بتدريس اللغات الأجنبية ابتداء من السنة الثانية أساسي و الثالثة أساسي تحت تعلات بيداغوجية و نفسية و هي كلها مغالطات لان التلميذ لم يزل في طور التمكن من لغته العربية و لم يتمكن منها بعد و يتم إقحام لغات هجينة عن انتمائه فهل الغاية من دراسة اللغات الأجنبية التمكن من لغات الآخر و معرفة الحضارة الإنسانية أم جعل هذه اللغات هي الأساس في التكوين اللساني و العلمي و المعرفي للتلميذ؟؟؟؟ إن الجواب الثاني هو توجه الوزارة وهو توجه نرفضه جذريا لأننا نرى أن تهميش اللغة العربية لا يخلق اهتزازا معرفيا و علميا فحسب و إنما يتجاوز ذلك ليخلق تلميذا منبتا عن انتمائه للهوية العربية الإسلامية.
3)غياب البرامج التي تجذر التلميذ في هويته و خاصة في مواد العربية و التفكير الإسلامي و التاريخ و الجغرافيا إذ لا يدرس التلميذ على انه عربي بل يدرس و كأنه روماني أو بونيقي أو لا انتماء له فبرامج التاريخ لا تدرس على أساس تحقيب عربي ثم إسلامي و تونس ما قبل الإسلام و ما بعد الفتح الإسلامي و لا تجد في ذهن أي تلميذ انتماءه التاريخي و الحضاري لغياب السعي نحو تاريخنا العربي و الإسلامي حتى و صلت البرامج إلى إلغاء فلسطين من خرائط الوطن العربي في كنبنا المدرسية و صار شعر الصهاينة موضوعا من مواضيع البكالوريا و تدريس مشاهير الغناء الصهاينة نصوصا في الكتب المدرسية أما تدريس الإسلام في مادة التفكير الإسلامي أو الروافد الثقافية لها مثل الفلسفة فقد صار غائبا غيابا ممنهجا ففي الفلسفة فلا اثر لابن الهيثم أو ابن خلدون أو لابن رشد أو للجاحظ أو لغيرهم من فلاسفة الإسلام الذي اثروا المكتبة الفلسفية الإنسانية و قرؤوا الإسلام و مقولاته من زاوية فلسفية فيعيش التلميذ تصحرا ثقافيا لا يصنع إلا تلميذا متفسخا.
إن هذه القراءة الموجزة لمرض التعليم في تونس قد رسمنا فيه التوجهات العامة التي تقترحها نقابتنا على الوزارة لإصلاح التعليم.
:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق