كيف نصلح التعليم في علاقة بتجذير التلميذ في هويته العربية الإسلامية
مرة أخرى تَقْـدم وزارة التربية على إجراء من جانب واحد وبصورة ارتجالية واضحة تجلت نتائجها لتلميذ المدارس الإعدادية في آخر الثلاثية الأولى على كافة الصعد.
فقد قامت الوزارة دون استشارة، بإلغاء نظام المراقبة المستمرة والأسابيع المغلقة في هذه المدارس مما خلق فوضى وإرهاقا لدى الأساتذة والتلاميذ على حد السواء.
فبالنسبة للأساتذة ازدحمت مواعيد الفروض واقتربت آجال الفروض العادية مع الفروض التأليفية وصار الأستاذ عبارة عن آلة تدرس وتراقب وتنجز الامتحان و تصلحه في وقت وجيز جدا. وقد حصل هذا دون تعديل نظام العطل ومراجعة البرامج ونظام المراقبة المستمرة وكأن عدم اعتماد الأسبوع المغلق وحده يمثل الحل لمعضلات التعليم.
والأخطر من كل هذا أن الوزارة عمدت إلى مزيد التغريب وضرب هويتنا العربية الإسلامية وإلى الإمعان في محاصرة لغتنا العربية إلى حد استهدافها ومحاولة إلغائها واقتلاعها مقابل إعطاء لغتي الفرنسية والانكليزية مكانة لا تستحقاها في برامجنا التعليمية.
في هذا الإطار لابد لنا من تسجيل الملاحظات التالية:
-1 فبالنسبة للبرامج زادت الوزارة الطين بلّة بإضافة ساعة في مادة الفرنسية بعد أن زادت ساعة انجليزية في السابق فكثفت من جهة حضور اللغات الأجنبية وزادت في تضخم عدد الساعات، وهو ما يتعارض مع توجهات كل الشعوب التي لا تحتل لديها دراسة اللغات الأجنبية المركز الأول. فكل أمّة تجعل من لغتها الأم التوجه الرئيسي في التعليم ثم تردف ذلك بالإطلاع على اللغات الأجنبية ثانويا. لكن وزارة التربية في تونس تعطي 8 ساعات للفرنسية والانجليزية و 5 ساعات فقط للعربية. والساعة المضافة هي ساعة مختبر اللغة الفرنسية أي أن إضافتها لم يكن لضرورة بيداغوحية بل لتبعية ثقافية محورها ضرب لغتنا العربية الفصحى بتمويل أجنبي مما يزيد خطورة في هذا الأمر.
ولابد أن نؤكد هنا أن إعادة النظر في كثافة الساعات وضخامة البرامج يجب أن تكون بوصلته الأساسية هوية التلميذ العربية الإسلامية كما أقر ذلك المؤتمر الأخير للنقابة العامة للتعليم الثانوي . وهذه الهوية تدعونا إلى ترسيخ قيمة اللغة العربية واعتبارها اللغة الأم والرئيسية في التدريس رغم إيماننا بقيمة اللغات الأخرى. فتعلم لغة أجنبية أخرى (بشرط عدم احتواء برامجها على ما يمس من قيمنا وثقافتنا الأصيلة ) كافي لتبقى الثالثة اختيارية كما يفعل كل شعوب العالم المعتزين بهويتهم الثقافية والحضارية.
ومع هذا فإننا نجد إلى جانب الوزارة - في توجهها التغريبي الاستئصالي - مدافعين عنها وساكتين عن خياراتها بل وأحيانا مشاركين في وضع برامجها، هم في الحقيقة ليسوا سوى أبواق للفرانكفونية ومعادين لتراثنا وهويتنا. إن اللغة العربية لغة علوم وثقافة، لذلك وجب النضال من أجل التعريب الحقيقي الذي يسهل دراسة العلوم. كما أن تناول الزمن المدرسي بعيدا عن المضامين لا يؤدي إلا لتجفيف المنابع والدفاع عن توجهات الامبريالية والصهيونية ومؤامراتها ضد أمتنا العربية. لذلك فإن أول ما يجب معالجته هو وضع اللغة العربية ومكانتها ومحتوى البرامج وعمقها المرتبط بجذورنا وقيمنا.
-2 أما عن طول البرامج فهذه معضلة ثانية يزيدها المضمون التغريبي عسرا. فالتلميذ في المدرسة الإعدادية في حاجة ماسة للتحصين فهو مازال لم يشتد عوده وفي مرحلة حساسة من زاوية استيعابه للمضامين. فعوض أن يدرس جغرافية الوطن العربي ليقترب من انتمائه الجغرافي نجده يدرس الولايات المتحدة وعوض أن يقرأ تاريخ أمة العرب وتاريخ المسلمين وتاريخ نضال الشعب العربي من أجل التحرر، فإننا نجده يطلع على تاريخ مشوه عن تونس ويدرس تاريخ الرومان وكل أعداء الأمة على أساس أنهم بناة الحضارة وأصحاب رسالة ثقافية وهذا طبعا على حساب تشويه أصوله الفينيقية وقيمه وتاريخه الإسلامي . وهكذا دواليك من البرامج التي تقتضي من قطاعنا في التعليم الثانوي دراستها دراسة متأنية ومعمقة في علاقة بالهوية العربية الإسلامية. ونحن نؤكد أن أي معالجة للزمن المدرسي متى لم تمس هذه الثوابت فهي معالجة عقيمة و فاشلة.
-3 إن الحديث عن نظام الامتحانات يستدعينا إلى التذكير بأن أي حل لا يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار إلا متى ارتبط بنظام جيد للعطل. فالأساتذة اليوم يعطلون خلال السنة الدراسية 40 يوما ولا يمكن التقليل من هذا العدد مهما كانت التعلات. فالأساتذة قد يقبلون بتعديل مواقيت العطل وحجمها كأن تصير الأيام الأربعون أربعة عطل متساوية في إطار تغيير نظام الامتحان من الثلاثيات إلى السداسيتين مثلا. وهذا يمكن أن يكون الحل الذي يتجانس مع إلغاء الأسابيع المغلقة لأنه نظام لا يخلف إرهاقا ولا يجعل التعليم غايته في التقويم بقدر التكوين و يجنب الأساتذة زحمة المواعيد و يلغي ظاهرتين بدأت تتفشى بعد الثلاثية الثانية وهما الإحباط إذا تأكد التلميذ من الفشل أو اللامبالاة إذا تأكد من النجاح ويقلل من حدة التوتر.فما عاشه الأساتذة و التلاميذ من الإرهاق بسبب إلغاء الأسبوع المغلق ليس يعني ضرورة الرجوع إلى هذه الأسابيع بل يستدعي إجراء آخر هو تعديل مواقيت العطل والبحث عن بديل جذري لنظام امتحانات يكون مرتبطا أساسا بمحتوى البرامج المتجذّرة والقاطعة مع التطبيع وضرب الهوية واللغة العربية وبتوجه يأخذ بعين الاعتبار التخفيف في كثافة البرامج والتراجع عن كل ما يسبب في إثقال كاهل الأستاذ والتلميذ.
-4 إن تغيير نظام الفروض واستشارة الأساتذة في نظام التقييم سيمكننا من نظام تقويم سلس ومرن يخفف الضغط على الأستاذ والعبء على التلاميذ وخاصة في المدارس الإعدادية لأن نظام فرض عادي وفرض تأليفي واختلاف الضوارب بين الفرضين لا مبرر بيداغوجي له ولا معرفي مما يجعل الضغط خاويا من كل قيمة تماما مثل الفوارق الفاحشة بين الضوارب بين 4 و1
و الحال أن الفوارق في علم البيداغوجيا وجب أن لا يتجاوز 2 ولعل هذا ما ساعد على تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية أي وجود الفوارق بين ضوارب المواد و ضارب الفرض العادي من جهة والفرض التأليفي من جهة أخرى. إن هذه المقترحات التي تتقدم بها النقابة الجهوية التعليم الثانوي بأريانة هي مساهمة تحتاج لمزيد التعميق ولكنها محاولة في إطار قراءة لواقع البرامج قي التعليم الإعدادي في علاقة بالهوية العربية الإسلامية.
عن النقابة الجهوية للتعليم الثانوي باريانة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق